لبنان ذالك الجبل الأبيض ما أعجز لساني و قلمي بل ما أعجز أي لسان و قلم عن وصف مفاتنه و صدقني إن قلت أنني ما أحببت لبنان لأنه مسقط رأسي و رؤوس أجدادي و أجداد أجدادي, بل لأنني و قد طوفت بعيدا بلاد الله، ما عرفت بقعة توافرت في تكوينها وفي مركزها من الأرض مظاهر الحسن و الروعة و الجلال كما توافرت في لبنان أضف إلى ذلك أن الفصول تتعاقب فيه بأقصى الدقة و منتهى النظام و الاعتدال فلا شتاء يجور على الربيع, و لا الربيع يطمع في الصيف و لا الصيف يأخذ من حصة الخريف و لا الخريف يتعدى على ما قسم للشتاء. و إنها لمتعة لا تلمها العين و لا ترتوي منها قوافل الفصول تدرج من شاطئ البحر و قد قطرت أوائل هذه بأواخر تلك, فراحت كل قافلة تنثر طريقها مما احتوته اعتدالها فهذه تنثر أزهارا و أنوارا و أغاريد أطيار و وشوشات نسمات و تلك تنثر بقولا و حبوبا و ثمارا أو نهارات محمومة بالعمل مغسولة بالعرق و ليالي تتغامز كواكبها في غمزة من الأنيس و السلام و لبنان إلى ذلك, وديع لطيف كريم لا يتكبر و لا يتجبر و لا يحبس محاسنه عن طالب. لقد أباح أعاليه لكل من آنس من نفسه النشاط لتسلقها و الرغبة في الإنشاء يسحر الأعالي, مثلما أباح أغواره لكل من شاء أن سكونها و سلامها,أما ضلاله الخلابة و أنواره الدافقة و أصواته المواجة و ألوانه المتبدلة في كل طرفة عين فمبذولة في كل ساعة من النهار و الليل لكل من يسمع و يبصر و لكن ما أقل السامعين و المبصرين و كما صدق نكولا فياض : لبنان مهبط الوحي عرين الأسود،ملاذ الحائفين،موئل المرضى و المصابين و تمثل لي كشيخ وقور حنون عاطف على أبنائه ضاحك لضيوفه، باسط ذراعيه لمنصب الحياة ليأوي إلى صلة الوارف فيروزية من سلسلة مائه و يشفيه بعليل هوائه.
فارس الزهرة